لن يصل العامل إلى مطلوبه حتى يتعب ويجد ويجتهد لأنه سنة كونية (لقد خلقنا الإنسان في كبد), الطائر لا يحصل على قوته إلا بالبحث والكد والتعب, والسمكة تذهب وتجئ حتى تحصل على قوتها, والدودة في الطين تتحرك وتتقلب حتى تصل إلى ما يغذيها, والنحلة تطير من زهرة إلى زهرة لتحصل على غذائها, فلابد لمن أراد نجاحا في الحياة أن يستهين بالصعاب في سبيل مقصوده وأن يصبر على الكدح حتى يصل إلى مطلوبه, وكثير ممن نجحوا في حياتهم لم يأتهم هذا النجاح مجانا ولم يصل إليهم جزافا فهم لم يعتمدوا على مجد سابق منتسب أو مال أو جاه عريض بل شقوا طريقهم متوكلين على الله وقد كانوا موالي فقراء وغرباء وعجما ولكن الفذ في همته وطموحه وجلده وصبره أدرك هذا النجاح العظيم في الدنيا والآخرة لأنه ثابر وجالد وكافح بلا نسب يذكر أو جاه أو مال أو عشيرة, بينما أخفق أبو جهل وأبو لهب وأمية بن خلف مع ما عندهم من جاه ونسب ومال إلا أنهم أخلدوا إلى الأرض وعبدوا الهوى ورضوا بالدون وباعوا حياتهم بثمن بخس, وهذا عطاء ابن أبي رباح من أكبر علماء التابعين عبد أسود أشل أفطس, صبر ثلاثين سنة وهو ينام في المسجد الحرام حتى طلب العلم وحفظ القرين وألم بالفقه وأصبح مفتي الدنيا في عصره, وهذا الإمام البخاري صاحب الصحيح طلب الحديث ليلا ونهارا وطاف البلدان وأظمأ نهاره وسهر ليله وأجاع بطنه واتعب جسمه حتى صار محدث الدنيا وأستاذ المحدثين بلا منازع. وسيبويه إمام النحو ومؤلف الكتاب الذي حار فيه العلماء وغرقت في بحره أفكار الجهابذة هذا الرجل شق طريقه بنفسه فهو أعجمي ليس له أسرة مشهورة ولا مال وفير ولا منصب خطير وإنما جد واجتهد وجاب البوادي وقطع الفيافي حتى فاق أقرانه وأصبح نجم زمانه.
فمن أراد النجاح فليعلم أن عليه واجب المصابرة على ثغور المجد لينال الفوز والظفر. أما الكسالى الذين آثروا الراحة وأعطوا النفس هواها فليس لهم نصيب في النجاح. الطالب الذي لا يحفظ ولا يكرر ويناقش ويسأل ويثابر ليس أهلا للفوز بالنتيجة المرضية. التاجر الذي لا يباشر تجارته ويحاسب عماله ويقوم بعقد الصفقات بنفسه ويطلع على سير تجارته نهايته الخسارة المالية والماحقة. الموظف الذي لا يراعي وقت الدوام وأداء العمل وأمانة المسؤولية وحسن مقابلة الناس هذا موظف فاشل خاسر, أب الأسرة في البيت إذا لم يقم برعاية أسرته وإدارة شؤون بيته والقرب من أولاده والاطلاع على أمور منزله أب سئ الرعاية مخالف للشرع والعقل مخفق في تربيته لأهله. المرأة التي لا تهتم بزوجها ولا تعتني بنفسها وبيتها وتهمل شؤون منزلها امرأة ليس لها في النجاح نصيب وهي تهدد نفسها كل يوم بالفراق أو حياة الفشل والضياع.
إن النجاح معناه أداء الواجب على أكمل وجه وتحمل المسؤولية والدقة في القيام بالعمل وإرضاء الضمير واحترام الآخرين وإتقان الحرفة والصبر على المتاعب ومخالفة النفس الأمارة بالسوء والشيطان والهوى وأصحاب السوء.
د.عائض القرني
منقول